وهذه نصائح
وفوائد
أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج
أولاً ـ
على الحاج أن
يتقي ربه ، ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله
عليه ، لقوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض
فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ،
وقوله صلى الله عليه وسلم :
" من حج فلم يرفث ، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم
ولدته أمه " ، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبروراً ،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الحج
المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة"1 فلا بد من
التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أو ضلالهم :
أ ـ الإشراك بالله تعالى ، فقد رأينا كثيراً منهم
يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله ، والاستعانة
بالأموات من الأنبياء أو الصالحين ، ودعائهم من دون
الله ، والحلف بهم تعظيماً لهم ، فيبطلون بذلك حجهم
، قال تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) .
ب ـ تَزَيُّن بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق ، فيه
مخالفات أربع مذكورة في ( الأصل ) .
جـ ـ تختم الرجال بالذهب فإنه حرام ، لا سيما ما كان
منه من النوع الذي يسمى اليوم بـ " خاتم الخطبة
" ، فإن فيه أيضاً تشبهاً بالنصارى .
ثانياً ـ على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي2، أن
ينوي حج التمتع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم
أصحابه به آخر الأمر ، ولغضبه على أصحابه الذين لم
يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة ،
ولقوله :
" دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " ، ولما
قال له بعض الصحابة : أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا
أم للأبد ؟
شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى
وقال : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لا
بل لأبد أبد ، لا بل لأبد أبد " 3 . من أجل ذلك أمر
صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله
عنهن جميعاً بالتحلل بعد عمرة الحج ، ولذلك كان ابن
عباس يقول : ( من طاف بالبيت فقد حل ، سنة نبيكم وإن
رَغِمتم )4 فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة
في أشهر الحج الثلاثة ، فمن لبى بالحج مفرداً أو
قارناً ، ثم بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة
وطوافه بين الصفا والمروة ، فيتحلل ، ثم يلبي بالحج
يوم التروية يوم الثامن . ( يا أيها الذين آمنوا
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم )5.
ثالثاً : إياك أن تدع البيات في منى ليلة عرفة ، فإنه
واجب ، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به
في قوله : " خذوا عني مناسككم . . " .
وعليك البيات أيضاً في المزدلفة حتى تصلي الصبح فإن
فاتك البيات ، فلا يفوتك أداء الصلاة فيها ، فإنه
واجب منه ، بل هو ركن من أركان الحج على القول
الأرجح عند المحققين من العلماء ، إلا للنساء
والضعفة . فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل كما
سيأتي .
رابعاً : واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من
المصلين في المسجد الحرام ، فضلاً عن غيره من
المساجد وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لو
يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف
أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه " .
فهذا نص عام يشمل كل مارٍ ومصلٍ ، ولم يصح حديث
استثناء المار في المسجد الحرام ، وعليك أن تصلي
فيه كغيره إلى سترة ، لعموم الأحاديث الوارده في
ذلك ، وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في (
الأصل ) .
خامساً : على أهل العلم والفضل أن يعلموا الحجاج
حيثما التقوا بهم مناسك الحج وأحكامه وفق الكتاب
والسنة ، وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى التوحيد
الذي هو أصل الإسلام ومن أجله بعث الرسل ، وأنزلت
الكتب ، فإن أكثر من لقيناهم حتى بعض من ينتمي إلى
العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة توحيد الله
وصفاته ، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع
المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، وكثرة أحزابهم إلى
توحيد كلمتهم وجمع صفوفهم على أساس الكتاب والسنة ،
في العقائد والأحكام ، والمعاملات والأخلاق ،
والسياسة والاقتصاد ، وغير ذلك من شؤون الحياة ،
وأن يتذكروا أن أي صوت يرتفع ، وأي إصلاح يقوم على
غير هذا الأصل القويم ، والصراط المستقيم ، فسوف لا
يجني المسلمون منه إلا تفرقة وضعفاً ، وخزياً وذلاً
، والواقع أكبر شاهد على ذلك . والله المستعان .
ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن ، حين الحاجة ،
فإن الجدال المحظور في الحج ، إنما هو الجدال
بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضاً كالفسق
المنهي عنه في الحج أيضاً ، فهو غير الجدال المأمور
به في مثل قوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ) . ومع ذلك
فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له
أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف ـ لتعصبه
لمذهبه أو رأيه ، وأنه إذا صابره في الجدال فلربما
ترتب عليه ما لا يجوز ـ أنه من الخير له حينئذ أن يدع
الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم
ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً . .
" الحديث6.
-----------------------
1
) أخرجه
الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
وهو مخرج في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم (
1200 ) و " الإرواء " ( 769 ) .
2
) كما هو شأن
عامة الحجاج اليوم ، فإنه من النادر أن يسوق أحدهم
هديه من الحل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ،
فمن فعله فلا إنكار عليه ، أما من لم يسق الهدي وقرن
، أو أفرد فقد خالف فعله صلى الله عليه وسلم وأمره ،
وإن رغم الناس ، كما قال ابن عباس . رواه مسلم ( 4 / 58 )
وأحمد ( 1 / 278 و 342 ) .
3
) أنظر "
صحيح أبي داود " ( 1568 و 1571 ) .
4
) وسنده في
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أدخل
في حجكم هذا عمرة ، فإذا قدمتم ، فمن تطوف بالبيت
وبين الصفا والمروة فقد حل إلا من كان معه هدي " (
" صحيح أبي داود " 1573 و 1580 ) .
5
) ولا ينافي
ذلك ما روي عن عمر وغيره مما يدل على أن الحج المفرد
أفضل كما ذكرته في الأصل . ثم رأيت شيخ الإسلام ابن
تيمية يتأول ذلك بأنه أراد إفراد العمرة في سفرة ،
والحج في سفرة ، فراجعه في المجلد 26 من " مجموع
الفتاوى " ، فإنه مهم .
6
) وهو حديث
حسن ، وهو بتمامه في " صحيح الجامع الصغير " في
الجزء الثاني رقم ( 1477 ) طبع المكتب الإسلامي .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق