الهدي هو ما يهدى من الأنعام إلى الحرم
تقرباً إلى الله تعالى ، قال عز وجل : {والبدن جعلناها
لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت
جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون }
( الحج 36) ، وقد أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مائة من الإبل .
وللهدي أحكام وشروط تتعلق به يذكرها أهل
العلم في هذا الباب ينبغي أن يكون الحاج منها على بينة .
أنواع الهدي
ينقسم الهدي إلى نوعين تطوع وواجب .
فهدي التطوع هو ما يقدمه العبد قربة إلى
الله تعالى من غير إيجاب سابق ، فله أن يتقرب وأن يهدي ما شاء من النعم حتى
ولو لم يكن محرماً ، وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- غنماً مع أبي بكر - رضي اللّه عنه - عندما حج سنة تسع ،
وأهدى في حجه مائة بدنة.
وأما الهدي الواجب فهو الذي يجب على العبد
بسبب من الأسباب الموجبة للدم ، والدماء الواجبة في الحج أنواع :
- دم التمتع والقران
وهو الدم الواجب بسبب الجمع بين الحج
والعمرة في سفر واحد قال جل وعلا : { فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } البقرة 196 وأُلحِق القارن قياساً على
المتمتع فيجب عليهما ما استيسر من الهدي وأقله شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة
، والحكم في الآية السابقة على الترتيب فلا يجوز العدول عن الهدي إلى غيره
إلا إذا عجز عنه ، كأن يعدمه أو يعدم ثمنه ، فينتقل حينئذ إلى الصيام
فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .
وما سبق خاص بمن لم يكن من حاضري المسجد
الحرام ، أما من كان من حاضري المسجد الحرام فلا هدي عليه .
- دم الفوات والإحصار
وهو الدم الواجب بسبب فوات الحج ، وذلك
بأن يطلع فجر يوم النحر على المحرم ولم يقف بعرفة ، وحينئذ فإنه يتحلل
بعمرة فيطوف ، ويسعى ، ويحلق أو يقصر ، ويقضي الحج الفائت ، ويهدى هدياً
يذبحه في قضائه .
ويجب الدم أيضاً بسبب الإحصار وهو طروء
مانع يمنع المحرم من إتمام نسكه بعد أن شرع فيه ، كمرض أو عدو أو غير ذلك
من الموانع لقوله جل وعلا :{ فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي } (البقرة 196). فيجب عليه هدي يذبحه حيث أحصر ، فإن لم يجد
الهدي ففي انتقاله إلى الصيام خلاف .
وينبغي أن يعلم أن الفوات خاص بفوات
الوقوف بعرفة ، وأما الإحصار فهو عام فيمن أحصر عن أي ركن من الأركان ، أما
من أحصر عن واجب فإنه لا يتحلل بل يبقى على إحرامه ، وفي لزوم الدم عليه
خلاف ، والفوات أيضاً خاص بالحج فلا يتصور في العمرة فوات ، وأما الإحصار
فهو عام في الحج والعمرة .
- دم ترك الواجب
وهو الدم الواجب لترك واجب من واجبات الحج
كترك الإحرام من الميقات ، وعدم الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ،
وترك المبيت بمزدلفة ومنى ، وترك طواف الواداع .
فالواجب فيه شاة ، وإن لم يجد ففي انتقاله
إلى الصيام خلاف فمنهم من قال يصوم عشرة أيام قياساً على دم التمتع ،
ومنهم من لم يلزمه بالصوم لأن القياس مع الفارق .
- دم ارتكاب المحظور
وهو الدم الواجب بارتكاب محظور من محظورات
الإحرام -غير الوطء وعقد النكاح وقتل الصيد - كالحلق ولبس المخيط والتطيب
وتقليم الأظافر ، فالواجب فيه دم على التخيير ، وهي فدية الأذى المذكورة في
قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من
رأسه ففدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك } ( البقرة 196) ، فهو مخير
بين أن يذبح شاة ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم ثلاثة
أيام .
- كفارة الوطء والاستمتاع
وهو الدم الواجب بالجماع ، فإذا جامع
الرجل زوجته في الفرج قبل التحلل الأول فسد حجه ، ويجب عليه بدنة ، ويتم
أعمال الحج ويقضيه من العام التالي ، وأما لو أنزل بمباشرة دون الفرج ، أو
لمْسٍ بشهوة ، أو استمناءٍ فقد اختلفوا هل يجب عليه بدنة أو شاة كفدية
الأذى ؟ وأما بالنسبة لفساد حجه فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا يفسد
بغير الوطء في الفرج .
وأما إن حصل الجماع بعد التحلل الأول فإن
حجه لا يفسد وعليه ذبح شاة أو بدنة على خلاف بين العلماء ، والمرأة في وجوب
الفدية مثل الرجل إذا كانت مطاوعة له .
- دم جزاء الصيد
وهو الدم الواجب بسبب قتل المحرم للصيد ،
أو الإعانة على قتله بإشارة أو مناولة أو ما أشبه ذلك ، فيجب فيه دم المثل
لما قتل يذبحه ويوزعه على فقراء الحرم لقوله تعالى : {ومن
قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً
بالغ الكعبة } (سورة المائدة 95) ، وله أن يقَوِّم المثل ويشتري
بقيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم عن طعام كل
مسكين يوماً لقوله تعالى في الآية السابقة : {أو كفارة
طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً } (سورة المائدة 95)، فالواجب فيه
إذاً على التخيير .
شروط الهدي
ويشترط في الهدي ما يشترط في الأضحية ،
وهو أن يكون من بهيمة الأنعام ( الإبل ، والبقر ، والغنم ) ، وأن يبلغ السن
المعتبر شرعاً ، بأن يكون ثنياً من ( الإبل والبقر والمعز ) ، أو جذعاً من
الضأن ، والثني من الإبل ما تم له خمس سنين ، ومن البقر ما تم له سنتان ،
ومن الغنم ما تم له سنة ، والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ، كما يشترط أن
يكون سليماً من العيوب التي تمنع الإجزاء فلا تجزئ العوراء البين عورها ،
ولا العرجاء البين عرجها ، ولا المريضة البين مرضها ، ولا العجفاء التي لا
مخ فيها .
وأفضلها الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم ،
وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة أو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، لقول جابر رضي اللّه عنه - فيما رواه مسلم - : " حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- فنحرنا البعير عن سبعة والبقرة عن سبعة " .
والأفضل ما توافرت فيه صفات التمام
والكمال كالسمن ، وكثرة اللحم ، وجمال المنظر ، وغلاء الثمن لقوله تعالى : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (
الحج 32 ) قال ابن عباس رضي الله عنه : "
تعظيمها : استسمانها ، واستعظامها ، واستحسانها " . وكان عروة بن الزبير رضي الله عنه يقول لبنيه : " يا
بني لا يهد أحدكم للّه تعالى من البدن شيئاً يستحي أن يهديه لكريمه ، فإن
اللّه أكرمُ الكرماء، وأحق من اختير له " .
ويستحب كذلك إشعار الهدي وتقليده إظهاراً
شعائر الله ، وإعلاماً للناس بأن هذه قرابين تساق إلى بيت الله الحرام ،
ويتقرب بها إليه ، والإشعار هو : أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل
دمها ، ويجعل ذلك علامة على كونها هدياً فلا يُتعرَّضُ لها ، والتقليد هو :
أن يجعل في عنق الهدي قطعة جلد ونحوها ليُعرَف أنه هدي ، تقول عائشة رضي الله عنها :
" لقد كنتُ أفتلُ قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، فيبعث هديه
إلى الكعبة " رواه البخاري .
وإذا عين هديه بالقول أو الإشعار أو التقليد لم
يجز بيعه ، ولا هبته ، لأنه بتعيينه خرج عن ملكه وصار حقاً لله تعالى .
محل ذبح الهدي
ووقته
والهدي- سواء أكان واجباً أم تطوُّعاً -
لا يُذبح إلا في الحرم سوى نوعين :
الأول : ما وجب بفعل محظور غير قتل الصيد ،
فيجوز ذبحه في الحرم ، وفي الموضع الذي وُجد سببه فيه .
الثاني : ما وجب بالإحصار فحيث أحصر .
وللمُهدي أن يذبح هديه في أي موضع من
الحرم لقوله- صلى الله عليه وسلم- : ( كل منى منحر وكل
فجاج مكة طريق ومنحر )رواه أبو داود .
ووقت الذبح يبدأ من يوم النحر إذا مضى قدر
فعل الصلاة بعد ارتفاع الشمس قدر رمح ، ويمتد إلى غروب شمس آخر يوم من
أيام التشريق على الصحيح ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لقوله - صلى
الله عليه وسلم- ( كل أيام التشريق ذبح ) رواه أحمد .
ويستحب له أن يتولى نحر هديه بنفسه وله أن
ينيب غيره ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة
ثم أعطى علياً فنحر ما بقي .وله أن
يأكل من هدي التطوع والمتعة والقران ، وأن يهدي ويتصدق بخلاف أنواع الهدي
الأخرى ، والله أعلم . |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق