فمما لجأ إليه الأعداء في محاربة ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال تفريغه من مضامينه ، ومن معانيه السامية ، ومن أسسه وبواعثه التي تمدّ المسلمين بطاقة كبرى من الإقدام والصمود والصبر والمصابرة ، وذلك بصرف المسلمين عن الغاية التي يقاتلون في سبيلها ،إلى غايات مختلفة أخرى ، بعيدة كلّ البعد عن معاني الإسلام السامية ، ليس في مضمونها ما يدفع المسلم حقَّاً إلى التضحية والفداء ، والشجاعة والثبات عند قتال الأعداء ، ومن هذه الغايات المحدثة التي أحلّوها محلّ الغاية الإسلامية عبارات الوطنية ، والقومية ، المضيقة أو الموسعة ، وعبارات شعارات أخرى خُلَّبَّية زائفات ، كعبارات البسالة ، والشجاعة والحمية ، والأخلاق الثورية ، وأشباه هذه العبارات الجوفاء المنتفخة ، وكل ما يرمي إلى غايات جاهلية ضعيفة الأثر ، لا تستطيع أن تقف على أقدامها ، أمام غايات ثابتة ذات قوة .
لقد رأينا لليهود على ما هم عليه من انحلال وانقسام في الأرض قضية في هذا العصر ، لها غاية محدّدة واضحة ، تدعمها قوى معنوية ذات جذور تاريخية دينية ، وتطبيقاتٍ حرفية طبق شريعتهم المحرفة .
ورأينا للشيوعيين غايات محدَّدة ، أخذت صيغة عقيدة يستميتون في سبيلها ، ورأينا للصليبيين غايات محدَّدة ، مدفوعة بدوافع دينية ذات جذور تاريخية .
أمَّا العرب المسلمون وسائر المسلمين فقد أريد لهم أن تكون قضيتهم مشتتة مضطربة مائعة ، تحمل شعارات محدثة ، ليس لها أصالة في نفوس الشعوب المسلمة ، ولا تدعمها قوى معنوية من دينهم وعقيدتهم وتاريخهم ، ومن أجل نُكبوا بما نُكبوا به من قِبَل أعدائهم ، فهل إلى رجعة من سبيل ، نعود فيها إلى مبادئنا ومفاهيمنا وعقيدتنا الإسلامية الصافية النقية من الشوائب ، والخالية من التحريف .
الخطة الثالثة : اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي .
وهنا نلاحظ أن أعداء الإسلام اتخذوا حيلة مغلَّفة ماكرة ، ينخدع بها بعض الغيورون على الإسلام ومجد المسلمين ، وتفضي إلى إلغاء الجهاد في سبيل الله بالقتال بطريقة عملية ، إنها حيلة الربط الدوري بين الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي .
والنتيجة التي تحصل من هذا الربط : أن لا يباشر المسلمون القتال للخلاص حتى يقيموا الحكم الإسلامي ، وبما أن الحكم الإسلامي لا يستطيع أن يقوم في الأحوال الراهنة ، إلا عن طريق الجهاد في سبيل الله بالقتال ، بعد استكمال العُدَّة اللازمة له ، وفق سنن الله التكوينية ، فإنه لن يقوم حكم إسلامي ولا جهاد بالقتال .
لأنَّ كلاًّ من الركنين قد ارتبط بالآخر ارتباطاً دوريَّاً ، فتساقط بذلك طرفا الدور ، فلا يقوم الحكم الإسلامي المطلوب ، ولا يباشر المسلمون الجهاد في سبيل الله بالقتال .
وقد قامت نظريات جديدة تبنَّاها بعض المسلمين تنادي بأن الجهاد بالقتال حقٌّ ، وركن من أركان العمل الإسلامي ، لنشر الإسلام وصيانته ، ولكن لا يصحّ مباشرته قبل توافر شروطه الأساسية .
والأمر عند هذا الحد سليم لا غبار عليه ، ولكن عند الحديث عن الشروط يعملون على انتحال شروط بعيدة المنال ، في ظروف المسلمين الحالية . ثم يعملون بكل وسيلة على جعل هذه الشروط مستحيلة الوقوع ، أو كالمستحيلة .
كما يعمل أعداء الإسلام على ربط هذه الفئات التي تنادي بهذه النظريات الجديدة بهم ربطاً محكماً ، يجعل كلَّ أنواع النشاط التي تقوم به تحت اسم الإسلام كمن يحرث في البحر ، تمتصّ بالجهد طاقاته ، ولا تؤثر في الماء محاريثه ، ثمَّ ينتهي الأمر إلى تعطيل ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال تعطيلاً نهائيَّاً ، وإبقائه كمادّة معطّلة عن التطبيق في دستور نظري .
على أنَّ من الواجب أن نبيّن أنه لا يصح مباشرة القتال قبل توافر شروطه ، من تحديد الغاية الأساسية ، وإعداد العدّة المطلوبة للمواجهة ، والقيام بواجب الجهاد بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أولاً ، وانتظار الفرصة الملائمة .
ولكن على المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها أن يخطّطوا ويساهموا في الإعداد التامّ ، لردّ صور العدوان التي يبيتها ضدّهم أعداء الإسلام ، ليوقعوا في شركهم كلّ بلد من بلدان العالم الإسلامي ، وعلى المسلمين جميعاً أن لا يتوانوا في هذا لحظة واحدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق