اقترن التحريف الذي أدخل على مفهوم التوكل
على الله سوء فهم لمعنى الرضى بالقضاء والقدر، إن فهم التوكل فهماً فاسداً
، نشأ عنه ترك الأخذ بالأسباب ، والقيام بما فرض الله من إعداد المستطاع
من القوة ، والجهاد في سبيل الله ، وهذا قد لزم عنه تسلط الأعداء على
المسلمين ، ووقوع المسلمين في نكبات الاضطهاد ، ولتبرير التحريف الدخيل ،
مع المحافظة على الانتساب إلى الإسلام ، كان لا بد من قبول فهم فاسد آخر
يتصل بالقضاء والقدر ، إذ يحاول هذا الفهم أن يقنع العصاة بتوكلهم الفاسد ،
أن الله قد تخلى عن نصرهم وإذْلال عدوهم مع استحقاقهم لذلك لأنه أراد أن
ينزل بهم مصيبة على يد عدوهم ، لا بسبب أنهم قصروا بما أوجب عليهم ، ولكن
ليرضوا بمقاديره ويصبروا عليها ، وجعلوا ذلك مثل مصائب الفقر والمرض والموت
التي يبتلي الله بها عباده ؛ ليعلم الصابرين منهم والمتضجرين .
إنهم يجعلون النتائج السببية التي تأتيهم بأسباب منهم ، كالمصائب الربانية التي يبتلي الله بها عباده ، فيسيئون فهم القضاء والقدر ، ويضعون الأمور في غير مواضعها ، ويسلكون في هذا مسلكاً شبيهاً بمسلك المنافقين الذين كانوا إذا أوذوا مع المسلمين في قتال ، جعلوا فتنة الناس كعذاب الله ، وأخذوا يطرحون الشكوك بالإسلام ، ويعتبرون أن ما أصاب المسلمين من أذى هو شبيه بعذاب الله لهم ، وفيهم يقول الله في سورة (العنكبوت/29 مصحف/85 نزول):
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }
وظاهر أن الاستكانة إلى العدو على معنى الرضى بقضاء الله وقدره استكانة وينهى الإسلام عنها ، ولا يرضى بها ، ولا يجوز أن تكون وفي قدرة المسلمين أن يدافعوا ويكافحوا ويجاهدوا في سبيل الله ، وما يصاب المسلمون بالخذلان ، أو بتسلط أعدائهم عليهم إلا بذنوبهم ، وبتقصيراتهم عن القيام بما أوجب الله عليهم من اتخاذ الأسباب ، لصد أعدائهم ، وإعلاء كلمة الله .
إن مبدأ الرضى بقضاء الله وقدره في المفهوم الإسلامي الصحيح يمنح المسلمين قوة عملية فعالة لا تني ، وطاقة اندفاع كبرى إلى الجهاد في سبيل الله ، وتحمّل كل مصيبة في ذلك ، اعتقاداً منهم بأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم .
فالمسلمون يدخلون معارك الجهاد في سبيل الله فيصابون في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، فيتقبلون كل ذلك بتمام الرضى عن الله فيما يجري به قضاؤه ، دون أن يتضجروا أو يتذمروا من ذلك ، ثم إذا دعاهم داعي الجهاد مرة ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية له لم يتوانوا عنه ، لأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم ، فهم يتلقون كل ذلك بالتسليم والرضا عن الله ، معلقين آمالهم بما أعد الله من أجر عظيم للصادقين الصابرين .
وفي مقابل هذه العقيدة السليمة الممدة بقوى الصبر والمصابرة واحتمال الأذى ، تأتي العقيدة الموهنة المثبطة المخذلة التي يعتقدها الكافرون ، وهي التي تجحد القضاء والقدر ، وتزعم انفراد الأسباب بتحقيق النتائج ، وتعتقد أنه لولا حصول السبب الفلاني لما حصلت المصيبة الفلانية ، وعلى أساس من هذه العقيدة الباطلة ، أثار المنافقون بعد غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون بنكسة بعد ظفرهم على عدوهم ، بسبب مخالفة فئة الرماة أمر الرسول بعدم تركهم موقعهم الذي حدده لهم ، أثاروا مقالتهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتل هذا النفر الذي قتل في أحد . إذ كان رأي زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عدم الخروج من المدينة إلى ملاقاة المشركين في أحد ، وانخذل عن الرسول هو والمنافقون معه وكانوا قرابة ثلث الجيش .
وكانت مقالة المنافقين بعد أن حصل ما حصل للمسلمين في الموقعة لوناً ماكراً من ألوان تثبيط القوى الإسلامية عن الجهاد في سبيل الله ، والخروج إلى مقارعة حملة ألوية الكفر .
لذلك كان لا بد للعقيدة الإسلامية الصحيحة حول القضاء والقدر من أن تقف موقفاً حازماً جازماً لا تردد فيه ، تثبيتاً لقلوب المؤمنين ، ورداً لكيد المنافقين ، فينزل القرآن معلناً أن الذين قتلوا من المسلمين في أحد قد قتلوا بآجالهم المقررة لهم في قضاء الله وقدره ، وقضوا حياتهم في مصارعهم المقدر لهم أن يموتوا فيها . فلو أن المعركة كلها لم تحصل ، ولم يخرج المسلمون من المدينة إلى قتال عدوهم ، لخرج الذين كتب عليهم القتل بسبب آخر إلى موطن المعركة ، ولكان مصيرهم القتل ، ولكانت مضاجعهم هي مصارعهم ، قال الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
على مثل هذا يكون استعمال العقيدة بالقضاء والقدر ، والتوكل على الله ، والرضى عن الله والتسليم التام له فيما تجري به مقاديره ، تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً ، وتطهيراً لها من عوامل الخوف والقلق والاضطراب والجزع .
أما الجنوح بهذه العقيدة إلى المعنى المغمور بالضعف والتخاذل ، وترك مباشرة الأسباب ، والرضى بأية نتيجة تأتي من جراء ترك ما أوجب الله اتخاذه ، فهو جنوح عن أساس العقيدة الإسلامية ، التي ألزمنا الله باعتناقها والاستمساك بها .
والفهم الإسلامي الصحيح في هذا صراط وسط بين منحدرين ، والانحياز عنه من ذات الشمال يوقع بالإفراط في التعلق بالأسباب وإهمال المقادير الربانية ، وهذا انفصال عن عنصر أساسي من عناصر العقيدة الإسلامية من نتائجه الوهن والتخاذل والجبن والقلق والتسخط والندم ، والانحياز عنه من ذات اليمين يوقع بالتفريط بما أوجب الله الأخذ به ، من كل سبب من شأنه الإيصال إلى الغاية المطلوبة وفق سنن الله في كونه ، ومن نتائجه الاستكانة والتواني وترك العمل ، وإيثار البطالة والكسل ، وما ينجم عنها من مصائب ونكبات وآلام وضعف وذل ، وبها يستشري الفساد في الأرض ، ويظهر الكفر ويعلو الباطل ، ويتسلط أعداء الله والحق .
إنهم يجعلون النتائج السببية التي تأتيهم بأسباب منهم ، كالمصائب الربانية التي يبتلي الله بها عباده ، فيسيئون فهم القضاء والقدر ، ويضعون الأمور في غير مواضعها ، ويسلكون في هذا مسلكاً شبيهاً بمسلك المنافقين الذين كانوا إذا أوذوا مع المسلمين في قتال ، جعلوا فتنة الناس كعذاب الله ، وأخذوا يطرحون الشكوك بالإسلام ، ويعتبرون أن ما أصاب المسلمين من أذى هو شبيه بعذاب الله لهم ، وفيهم يقول الله في سورة (العنكبوت/29 مصحف/85 نزول):
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }
وظاهر أن الاستكانة إلى العدو على معنى الرضى بقضاء الله وقدره استكانة وينهى الإسلام عنها ، ولا يرضى بها ، ولا يجوز أن تكون وفي قدرة المسلمين أن يدافعوا ويكافحوا ويجاهدوا في سبيل الله ، وما يصاب المسلمون بالخذلان ، أو بتسلط أعدائهم عليهم إلا بذنوبهم ، وبتقصيراتهم عن القيام بما أوجب الله عليهم من اتخاذ الأسباب ، لصد أعدائهم ، وإعلاء كلمة الله .
إن مبدأ الرضى بقضاء الله وقدره في المفهوم الإسلامي الصحيح يمنح المسلمين قوة عملية فعالة لا تني ، وطاقة اندفاع كبرى إلى الجهاد في سبيل الله ، وتحمّل كل مصيبة في ذلك ، اعتقاداً منهم بأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم .
فالمسلمون يدخلون معارك الجهاد في سبيل الله فيصابون في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، فيتقبلون كل ذلك بتمام الرضى عن الله فيما يجري به قضاؤه ، دون أن يتضجروا أو يتذمروا من ذلك ، ثم إذا دعاهم داعي الجهاد مرة ثانية وثالثة ورابعة وإلى ما لا نهاية له لم يتوانوا عنه ، لأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم ، فهم يتلقون كل ذلك بالتسليم والرضا عن الله ، معلقين آمالهم بما أعد الله من أجر عظيم للصادقين الصابرين .
وفي مقابل هذه العقيدة السليمة الممدة بقوى الصبر والمصابرة واحتمال الأذى ، تأتي العقيدة الموهنة المثبطة المخذلة التي يعتقدها الكافرون ، وهي التي تجحد القضاء والقدر ، وتزعم انفراد الأسباب بتحقيق النتائج ، وتعتقد أنه لولا حصول السبب الفلاني لما حصلت المصيبة الفلانية ، وعلى أساس من هذه العقيدة الباطلة ، أثار المنافقون بعد غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون بنكسة بعد ظفرهم على عدوهم ، بسبب مخالفة فئة الرماة أمر الرسول بعدم تركهم موقعهم الذي حدده لهم ، أثاروا مقالتهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتل هذا النفر الذي قتل في أحد . إذ كان رأي زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عدم الخروج من المدينة إلى ملاقاة المشركين في أحد ، وانخذل عن الرسول هو والمنافقون معه وكانوا قرابة ثلث الجيش .
وكانت مقالة المنافقين بعد أن حصل ما حصل للمسلمين في الموقعة لوناً ماكراً من ألوان تثبيط القوى الإسلامية عن الجهاد في سبيل الله ، والخروج إلى مقارعة حملة ألوية الكفر .
لذلك كان لا بد للعقيدة الإسلامية الصحيحة حول القضاء والقدر من أن تقف موقفاً حازماً جازماً لا تردد فيه ، تثبيتاً لقلوب المؤمنين ، ورداً لكيد المنافقين ، فينزل القرآن معلناً أن الذين قتلوا من المسلمين في أحد قد قتلوا بآجالهم المقررة لهم في قضاء الله وقدره ، وقضوا حياتهم في مصارعهم المقدر لهم أن يموتوا فيها . فلو أن المعركة كلها لم تحصل ، ولم يخرج المسلمون من المدينة إلى قتال عدوهم ، لخرج الذين كتب عليهم القتل بسبب آخر إلى موطن المعركة ، ولكان مصيرهم القتل ، ولكانت مضاجعهم هي مصارعهم ، قال الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول):
{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
على مثل هذا يكون استعمال العقيدة بالقضاء والقدر ، والتوكل على الله ، والرضى عن الله والتسليم التام له فيما تجري به مقاديره ، تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً ، وتطهيراً لها من عوامل الخوف والقلق والاضطراب والجزع .
أما الجنوح بهذه العقيدة إلى المعنى المغمور بالضعف والتخاذل ، وترك مباشرة الأسباب ، والرضى بأية نتيجة تأتي من جراء ترك ما أوجب الله اتخاذه ، فهو جنوح عن أساس العقيدة الإسلامية ، التي ألزمنا الله باعتناقها والاستمساك بها .
والفهم الإسلامي الصحيح في هذا صراط وسط بين منحدرين ، والانحياز عنه من ذات الشمال يوقع بالإفراط في التعلق بالأسباب وإهمال المقادير الربانية ، وهذا انفصال عن عنصر أساسي من عناصر العقيدة الإسلامية من نتائجه الوهن والتخاذل والجبن والقلق والتسخط والندم ، والانحياز عنه من ذات اليمين يوقع بالتفريط بما أوجب الله الأخذ به ، من كل سبب من شأنه الإيصال إلى الغاية المطلوبة وفق سنن الله في كونه ، ومن نتائجه الاستكانة والتواني وترك العمل ، وإيثار البطالة والكسل ، وما ينجم عنها من مصائب ونكبات وآلام وضعف وذل ، وبها يستشري الفساد في الأرض ، ويظهر الكفر ويعلو الباطل ، ويتسلط أعداء الله والحق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق