كم اسعدني واحزنني في الوقت نفسه الخبر الذي قرأته عن فريق مكون من عشر فتيات سعوديات انيقات قمن بتسلق جبل "إيفريست" ورفع العلم السعودي في معسكر (بيس كامب) والذي يرتفع 5,400 متر فوق سطح البحر.
كانت الفكرة وراء المبادرة النسوية الجميلة تلك هي لفت انظار الناس في المجتمع السعودي الى مرض سرطان الثدي الذي اودى بحياة الكثير من النساء السعوديات من جميع الاعمار، وايضا من اجل تقديم الدعم المعنوي للواتي مازلن يعانين من هذا المرض ويكابدن ويلاته، وتذكيرهن بأن يصمدن لأن الشفاء ليس مستحيلا. هذه الرسالة اتسمت بصبغة من الانسانية والتواصل الرحيم وان كان رمزياً.
الامرالثاني الملفت في الحملة ما قالته قائدة الفريق الاميرة ريما بنت بندر بن سلطان حيث اضافت " نحن من خلال هذه الحملة نشجع المجتمع السعودي على نمط حياة صحية من خلال ممارسة المشي ولو لربع ساعة يومياً فقط حتى يكونوا جاهزين لمواجهة أيّ عارض صحي فالجسم الصحي قادر على تفادي الأمراض وكذلك القدرة على تحمل العلاج.".
بما ان الفئة المستهدفة من هذه الحملة هن النساء. فكيف لهن ان يقمن بأي نوع من الرياضة طالما لا يوجد مكان لهن حتى للمشي فيه بحرية؟ وكيف تنشر هذه الثقافة عن الرياضة اذا كانت الصغيرات في المدارس والفتيات في الجامعات الحكومية مازلن محرومات من ممارسة الرياضة؟
حقيقة ليس هذا بالأمر المهم في هذه الحملة، فقضية ان يُـسمح للفتيات بممارسة الرياضة او لا أمر مازال يلت ويعجن فيه المسؤولين في وزارة التربية التعليم، وحتى اليوم لا توجد اية بوادر بحدوثها في الوقت القريب. الرياضة، وقيادة المرأة للسيارة، وزواج الصغيرات، ومدونة الاسرة، وقانون المحرم وعمل المرأة وغيرها، قضايا معلقة، لكنها دائمة الصلاحية للنقاش حيث يجترونها الناس في السعودية وخارجها على مدار العام، مثلما تجتر المواشي علفها، لأنه لا توجد نوايا صادقة لحلها بشكل جذري.
الآهم في موضوع هذه الفرقة النسوية التي تسلقت جبل "إيفريست" هو انها كشفت حقيقة بشعة الكل في المجتمع السعودي يتفادى التطرق لها، وهي الفجوة الكبيرة بين الذين يملكون والذين لا يملكون. حين نقرأ الردود على ذلك الخبر والتي رُصدت عندما نـُشر في عدة صحف ومواقع الكترونية، بالكاد نجد من ادرك الهدف المعنوي من هذه الحملة، بسبب تلك الفجوة الاجتماعية والتي انعكست على مستواهم الثقافي بشكل عام. هذه الحملة اتت من نساء الذوات اللواتي لديهن كل شيء وهذه الحملة الانيقة فقط اضافت شيئا من الإثارة على حياتهن. هؤلاء الفتيات اليافعات يمثلن القلة القليلة من المجتمع السعودي، ولو تعرضت اية واحدة منهن لأي مرض او اصابة لحُملت على اقرب طائرة بطاقمها الطبي المجهز، وأُوصلت الى افضل مستشفى في العالم. هؤلاء الفتيات الفاتنات لا يعرفن معنى ان تقف امرأة تحت حرارة شمس الصيف الحارقة لتبحث عن سيارة اجرة لتقلها من المستشفى واليها. لم تدخل اي واحدة منهن المستشفيات الحكومية اللتي يعيش فيها قبائل من الحشرات والجراثيم الخطرة. لم يفقدن احد من اقاربهن بسبب اهمال أو خطأ طبي. لم يصرف لهن ادوية ادت بهن الى سقم وفشل في احد اعضائهن. لم يحرمن من فرصة علاج في الخارج لعدم قدرتهن المادية. هن نساء تربين في بروج عاجية يعرفن أن الحياة جميلة وتستحق العيش، وكل شيء ممكن الحصول عليه، ولا مكان لكلمة مستحيل في قواميسهن.
ردود عامة الناس على هذه الحملة الجميلة كشفت الوجه القبيح للمجتمع السعودي، اظهرت تلك الفجوة المهولة بين ما يقارب الـ 5% الفئة المترفة المرفهة من السعوديين والـ 95% الفئة المتعبة الكادحة منهم، بين الذين يحلمون ويحققون احلامهم ثم يحلمون اكثر واكثر، وبين الذين يموتون حسرة لأن الابواب كلها مقفلة في وجوههم، بين الذين يتنعمون بأعلى مستويات الحياة وألذ ما فيها، وبين الذين يفتقرون لأبسطها واقلها تكلفة، بين الذين يحصلون على كل شيء يتمنونه من الملبس والمأكل والمشرب وفي اسرع وقت، وبين الذين يباتون على لحوم بطونهم بثياب رثة يتضورون من شدة الجوع والفاقة، بين الذين يُعالجون في ارقى مستشفيات العالم واشهرها غلاءا، وبين الذين لا يجدون سريرا في مستشفى حكومي يأويهم، بين الذين تنتظرهم كل فرص العمل ليختاروا ما يريدون منها وبرواتب مغرية، وبين الذين يلفون البلد طولاً وعرضاً حتى تدمي اقدامهم ولا يجدون مؤسسة تضمهم لكوادرها، بين الذين يقضون صيفهم في اغلى فنادق العالم واجمل منتجعاته ثم يعودون محملين بأمتعة كلفتهم ملايين الدولارات، وبين الذين يقضون صيفهم في الشوارع لبيع الخضار والفواكه لكي يكفوا انفسهم عن الحاجة ويحصلوا على قوتهم اليومي، بين الذين يسكنون القصور والفلل الفاخرة ولا يدفعون شيئا لها من جيوبهم والمنح والاراضي والشرهات وتذاكر السفر تٌعطى لهم جزافا، وبين من يعيشون في شقق مستأجرة عتيقة ضيقة، او في بيوت مملوكة مترهلة تكاد تنهار على ساكنيها، ... بين .. وبين ... وبين.. فهل يستوي الذين يتسلقون والذين لا يتسلقون؟
وجيهة الحويدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق