قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((إنَّ مما أدركَ الناسُ من كلام النبوة الأُولَى: إذا لم تستحْيِ، فاصنعْ
ما شئتَ))؛ فسبحان الله العظيم، وكأن في هذا الحديث الشريف وصفًا لحال بعض
سُفَهاء هذا الزمان، الذين تجرَّدوا من كل ذرة من حياء أو خجل، قد
تَرْدعُهم عمَّا اقترفوه من الغي بحق نبيِّ الإسلام، بتجسيده في مقاطعَ
مصوَّرةٍ غاية في القبح والوقاحة وقلة الأدب، وأبعد ما تكون عن الحقيقة؛
تدلِّل على مقدار ما تَحمِله قلوبُ بعض هؤلاء القوم - من أعداء الإسلام
ورسوله - من الغِلِّ والضغينة؛ لتعبِّر عنه أفعالُهم بهذا الصنيع المسخ،
المتخم بالافتراءات والأكاذيب المثيرة للقرف والاشمئزاز، هدفُهم الذي لا
يخفى الطعنُ في دين الإسلام، بتشويه سيرة وصورة نبيِّه - صلى الله عليه
وسلم - بهذا الأسلوب المبتذَل الرخيص؛ [سعيًا منهم وراء شهرة سريعة، ينالونها على حساب أعظم شخصية في تاريخ
البشر].
وجاءت الإدانات والاستنكارات العالَمية من
جهات عدَّة لهذا الفيلم المسيء، ليس كنتيجة لنشر مقاطعَ منه؛ وإنما بعد
ردة الفعل القوية التي اجتاحت العالمَ الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، على
شكل احتجاجات ومظاهرات غاضبة، شَابَ بعضًا منها أعمالُ عنف، أدَّت إلى
إزهاق أرواح بريئة، وكانت أبرز الإدانات من رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية، الذي وصف الفيلم الذي تم إعدادُه على أرض بلاده بأنه مُهِين
لأمريكا، وأن أصحابه ظلامِيُّون، كما أن وزيرة خارجيته وصفتْه أيضًا بأنه
مقرف ومَشِين.
ولكن
- وكما اعتدنا في مناسبات سابقة، وكما هو متوقَّع - دافع الرئيس
الأمريكي عن فرض حظر على نشره في وسائل الإعلام؛ باعتبار ذلك أمرًا مخالفًا
لحرية الرأي والتعبير، المعمول بها في الغرب، وأضاف أن ذلك مستحيلٌ
عمليًّا؛ بسبب سهولة نشر المعلومة - أيًّا كانتْ - في عصر التقدم التقني
الهائل الذي نعيش فيه، واعتبر أن ما ورد في هذا الفيلم من إساءة ليس مبررًا
لأحداث العنف التي جَرَتْ.
لو
كنتُ أملك حق الرد باسم أمة الإسلام، لقلتُ لكم:
حسنًا! نشكرُ لكم موقفَكم الرسمي، الذي
يُدِين الإساءة للدين، ويعلن براءته من هذا الفيلم، ونتفق معكم أيضًا في
الدعوة إلى ضرورة الالتزام بالوسائل السِّلْمية للتعبير عن الإدانة لمثل
هذه الأفعال المَشِينة بحق الإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ونقدِّر
استحالة الإزالة التامة لمثل هذه المشاهد، من كل وسيلة نشرٍ على وجه الأرض،
ونحن لا نطلب المستحيل، ولكن إن كانت نياتكم صادقة وكنتم جادِّين فعلاً في
إدانتكم لمثل هذه الإساءات البغيضة، من منطلق احترام معتقدات الآخرين، فإن
الاكتفاء بالإدانة لا يُجدِي نفعًا، ولا يغيِّر شيئًا على أرض الواقع؛
فإحدى المجلات الفرنسية - وبالرغم من كل ما حدث عقب نشر الفيلم المسيء من
أمريكا - أصرَّتْ على نشر رسوم مسيئة لنبيِّنا الأكرم - صلى الله عليه وسلم
- فيما يبدو كنوعٍ من التحدي على الجانب الآخر من الأطلسي، وبدلاً من أن
تقوم الحكومة من منعها، منعتْ قيام مظاهرة سلمية مناوئة، فهل هذا تعبيرٌ عن حسن النيات؟
ومن جهة أخرى، فإن لدينا - كأُمَّتينِ
عربية وإسلامية - تجارِبَ كثيرة فاشلة مع الإدانات والاستنكارات في قضايا
أخرى، ولسنا بحاجة للمزيد.
إن أقلَّ ما يمكنُكم فعله، هو أن تطلبوا
من المواقع الكبرى على شبكة المعلومات الدولية - التي تحظى بمتابعة غالبية
عظمى من سكان المعمورة - وقْفَ نشر هذا الفيلم المسيء لتخفيف الاحتقان،
وامتصاص الغضب العارم عند جمهور المسلمين، والأهم من ذلك بكثيرٍ الحرص على
ألاَّ تتكرَّر مثل هذه الإساءات مستقبلاً بأي شكل كان، فالواجب - وبأسرع
وقتٍ - أن تعملوا مع باقي الحكومات الغربية على سنِّ تشريع يحظر بشكل قاطع
الإساءة إلى كافة الشرائع السماوية ورُسُلها وأيٍّ من رموزها، بأي وسيلة
كانت، وأن تُقَر عقوبات رادعة على أمثال هؤلاء العابثين بمقدسات الأمم، ولا
نفوت الفرصة لتذكيركم بالقانون الصارم الذي يمنع التشكيك ليس بالمحرقة
اليهودية فحسب، بل حتى بأعداد ضحاياها؛ حتى لا تتأذى مشاعر 13 مليونًا من
اليهود في العالم، فهل أمة
تعدادُها يفوق المليار ونصفًا من الأنفس، هي أقل شأنًا عندكم في أمر يمسها
في الصميم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق